.
.
12 وقفة مع المحتفلين بيوم 12 ربيع الأول
.
.
حسن الحسيني
..
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ،
أما بعد : فهذه وقفات مع المحتفلين بميلاد خير البشر
صلى الله عليه وآله وسلم ،
أسأل الله أن ينفع بها :
.
الوقفة الأولى :
.
لقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بإتباع الشريعة الربانية ،
وعدم إتباع الهوى ،
قال تعالى :
.
( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون )
[ الجاثية : 18 ] ،
.
فالعبادات كلها توقيفيّة ،
بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها ،
بل لا بد أن يكون المشرّع لها هو الله سبحانه وتعالى ،
ولذلك أمر الله نبيّه في أكثر من موضع بإتباع الوحي :
( إن اتبع إلا ما يوحى إليّ )
[ الأنعام : 50 ]
.
وقد قرّر العلماء أنّ :
العبادات مبنيةٌ على الإتباع لا الابتداع .
.
الوقفة الثانية :
.
لقد امتنّ الله تعالى على عباده ببعثة الرّسول
صلى الله عليه وسلم وليس بميلاده ،
قال تعالى :
.
( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )
[ آل عمران :164 ] .
.
الوقفة الثالثة :
.
السلف الصالح لم يكونوا يزيدون من الأعمال
في يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأيام ،
ولو فعلوا لنقل إلينا !
ولا يخفى لأنهم أشدّ الناس حبًّا وتعظيمًا وإتباعا .
.
قال العلامة / أبي عبد الله محمد الحفار المالكي :
.( ألا ترى أنّ يوم الجمعة خير يومٍ طلعت عليه الشمس ،
وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه ،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله ،
فدلّ هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إذا شرعت ،
وما لم يشرع لا يفعل ، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها ...
والخير كله في إتباع السلف الصالح )
[ انظر المعيار المعرب 7 / 99 ] .
.
.
الوقفة الرابعة :
.
انظر إلى فقه الفاروق عمر بن الخطاب
حين أرَّخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
رمز انتصار دينه ،
ولم يؤرّخ بمولده ووفاته ،
أتدري لماذا ؟
تقديماً للحقائق والمعاني
على الطقوس والأشكال والمباني !!
.
.
الوقفة الخامسة :
.
إن أوّل من أحدث بدعة المولد : الخلفاء الفاطميون
بالقرن الرابع للهجرة بالقاهرة ، فقد ابتدعوا ستة موالد :
المولد النبوي، ومولد الإمام علي
وفاطمة والحسن والحسين ،
ومولد الخليفة الحاضر ،
وبقيت هذه الموالد على رسومها
إلى أن أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش ،
ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله سنة 524هـ
بعد ما كاد الناس ينسونها .
فعلى هذا لم تعرف الأمة هذا المولد قبل هذه الدولة ،
فهل هي أهلٌ للاقتداء بها ؟
والغريب أنّه وصل بالبعض ،
تفضيل ليلة المولد النبوي على ليلة القدر !!
.
.
الوقفة السادسة :
.
اختلف المؤرخون وأهل السير
في الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقيل : ولد في شهر رمضان ،
والجمهور : على أنه ولد في ربيع الأول ،
ثم اختلف هؤلاء في تحديد تاريخ يوم مولده على أقوال :
فقيل : اليوم الثاني من ربيع الأول قاله ابن عبد البرّ ،
وقيل : اليوم الثامن ، صححه ابن حزم ،
وهو اختيار أكثر أهل الحديث ،
وقيل : اليوم التاسع ،
وهذا ما رجّحه أبو الحسن الندوي ،
وزاهد الكوثري ،
وقيل : اليوم العاشر ، اختاره الباقر ،
وقيل : اليوم الثاني عشر ، نصّ عليه ابن إسحاق ،
وقيل : السابع عشر من ربيع الأول ،
وقيل : الثامن عشر من ربيع الأول
وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ
على عدم حرص الصحابة على نقل تاريخ مولده
صلى الله عليه وسلم إلينا ،
فلو كان في ذلك اليوم عبادة ،
لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها خلاف ،
ولنقل إلينا مولده على وجه الدقّة .
.
قال الشيخ القرضاوي :
( إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية التاريخية :
نجد أنّ الصحابة رضوان الله عليهم ،
لم يحتفلوا بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولا بذكرى إسراءه ومعراجه أو هجرته ،
بل الواقع أنهم لم يكونوا يبحثون عن تواريخ هذه الأشياء !
فهم اختلفوا في يوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم ،
فإن اشتهر أنه الثاني عشر من ربيع الأول ،
لكن البعض يقول : لا ،
الأصح اليوم التاسع من ربيع الأول وليس يوم الثاني عشر ،
وذلك لأنه لا يترتب عليه عبادة أو عمل ،
ليس هنالك قيام في تلك الليلة ولا صيام في ذلك اليوم ،
فلذلك المعروف أنّ الصحابة والتابعين والقرون الأولى
وهي خير قرون هذه الأمة لم تحتفل بهذه الذكريات !
بعد ذلك حدثت بعد عدة قرون بدأت هذه الأشياء ) .
.
.
الوقفة السابعة :
.
إنّ التاريخ الذي ولد فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
هو بعينه التاريخ الذي توفي فيه ! :
( يوم الاثنين 12 ربيع الأول ) ،
فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ،
نبّه على ذلك غير واحد من أهل العلم ،
منهم ابن الحاج المالكي ، والإمام الفاكهاني .
.
قال ابن الحاج المالكي :
( العجب العجيب : كيف يعملون المولد بالمغاني
والفرح والسرور كما تقدّم ،
لأجل مولده صلى الله عليه وسلم كما تقدّم
في هذا الشهر الكريم ؟
وهو صلى الله عليه وسلم
فيه انتقل إلى كرامة ربه عزّ وجل ،
وفجعت الأمة وأصيبت بمصابٍ عظيم ،
لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا ،
فعلى هذا كان يتعيّن البكاء والحزن الكثير
فانظر في هذا الشهر الكريم ـ والحالة هذه ـ
كيف يلعبون فيه ويرقصون )
[ المدخل 2 / 16 ] .
.
ولمراعاة هذا الخلاف ،
كان صاحب إربل يحتفل بالمولد ،
سنةً في ثامن شهر ربيع الأول ،
وسنة ً في ثاني عشرة !!!
[ انظر ابن خلكان 1 / 437 ] .
.
.
الوقفة الثامنة :
.
من الملاحظ أنّ انتشار الاحتفال بالمولد النبوي بين المسلمين ،
كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى ،
كما في الشام ومصر
فالنصارى كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده ،
وميلاد أفراد أسرته ،
فكان ذلك سببًا في سرعة انتشار تلك البدعة
بين المسلمين تقليدًا للنصارى .
.
حتى قال الحافظ السخاوي مؤيدًا الاحتفال بالمولد :
( وإذا كان أهل الصليب اتّخذوا ليلة مولد نبيّهم عيدًا أكبر ،
فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر ) !!
.
وقد تعقّبه الملا علي القاري :
.
( قلت : ممّا يردّ عليه أنّا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب )
[ المورد الروي في المولد النبوي / 29 ] .
.
.
الوقفة التاسعة :
.
إنّ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ،
لا تتحقّق بالاحتفال بمولده ،
وإنّما تتحقّق بالعمل بسنّته ،
وتقديم قوله على كل قول ،
وعدم ردّ شيء من أحاديثه ،
ولنعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
قد وسعهم دين الله من غير احتفالٍ بمولده ،
إذًا فليسعنا ما وسع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
والفرح بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ،
لا يمكن أن يقتصر على يومٍ واحدٍ ،
بل بكل لحظة من لحظات حياة المسلم ،
بالتزام أوامره واجتناب نواهيه ،
والخضوع لكل ما جاء به من عند الله تعالى ،
فلا تقف الفرحة أمام يومٍ واحدٍ ،
بل نجعل لنا من كل يومٍ جديدٍ ،
التزامًا أكثر بالسنة ، ،
لنحوّل ضعفنا إلى قوةٍ ،
ونرسي في أنفسنا قواعدَ عقيدتنا ،
ومبادئ الإسلام العظيم .
.
.
الوقفة العاشرة :
.
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال :
.
( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،
فإنما أنا عبده، فقولوا عبدالله ورسوله )
[ البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ،
باب قول الله واذكر في الكتاب مريم ،
حديث رقم 3189 ] .
.
أكثر تلك الموالد فيها إطراءٌ ومبالغة في مدح الرسول
صلى الله عليه وسلم ،
والغريب أنّه حتى المؤيدين للموالد ،
قد أقرّوا بوجود الغلو الذي يصل إلى درجة الكفر !!
خاصةً عندما تجرّأ البعض على تأليف كتب عن المولد النبوي ،
ثم وضع الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !
تأييدًا لذلك
.
يقول عبد الله الغماري
ـ أحد كبار الصوفية المعاصرين ـ :
( .. وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات ،
وأصبحت عقيدةً راسخة في أذهان العامة ،
وأرجوا أن يوفّقني الله إلى تأليفٍ حول المولد النبوي ،
خالٍ من أمرين اثنين : الأحاديث المكذوبة ،
والسّجع المتكلّف المرذول
والمقصود أنّ الغلو في المدح مذمومٌ لقوله تعالى :
.
" لا تغلوا في دينكم "
[ النساء : 171 ] ،
.
وأيضًا فإنّ مادح النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بأمر لم يثبت عنه ،
يكون كاذبًا عليه ، فيدخل في وعيد :
.
" من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النار "
[ انظر البخاري ، كتاب العلم ،
باب إتم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ،
حديث رقم 104 ] .
.
وليست الفضائل النبويّة مما يتساهل فيها
برواية الضعيف ونحوه ،
لتعلقها بصاحب الشريعة ونبي الأمة ،
الذي حرّم الكذب عليه وجعله من الكبائر ،
حتى قال أبو محمّد الجويني والد إمام الحرمين
بكفرِ الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد النبوي
وقصة المعراج من مبالغات
وغلوٍ لا أساس له من الواقع
يجب أن تُحرق ،
لئلا يُحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنّم ،
نسأل الله السلامة والعافية )
[ من نقده لبردة البوصيري ص 75 ] .
.
وقد جرت العادة في الموالد
أن تختم بالعبارات البدعية
والتوسلات الشركيّة ،
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
.
.
الوقفة الحادية عشرة :
.
ما يدور في الموالد من المفاسد ،
لا تخفى على مسلم ،
من أهمها :
أنّ المحتفلين بالمولد يرمون المخالفين
ـ وللأسف ـ
بعدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم !!
متناسين بأنّ التعظيم والمحبة تكون بالإتباع لا الابتداع ،
وكذلك ما يجري داخل الموالد من إطفاء الأنوار
وهزّ الرؤس وتمايل الأكتاف و ..
ناهيك عن الأذكار المكذوبة والقصص الموهومة ،
.
ويقول الشيخ علي محفوظ الأزهري :
( فيها إسراف وتبذير للأموال ،
وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة منه ولا خير فيه )
[ الإبداع / 324 ] ،
.
والقواعد الشرعية تقضي بأنّ المباح ـ
وهذا على فرض أنه مباح ـ
إذا أدّى إلى محرّم
فإنّه يحرم من باب سدّ الذرائع ،
فكيف وهو يحوي على المنكرات !!
.
.
الوقفة الثانية عشرة :
.
وقد أجمع المسلمون على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي ،
لكنهم اختلفوا في حسنه وقبحه ،
فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة حسنة :
كابن حجر والسيوطي والسخاوي ..
وغيرهم ،
نظرا للمصلحة التي ظنوا حصولها !!
لكن العلماء المحقّقين ،
المتقدّمين منهم والمتأخرين ،
أفتوا بحرمة الاحتفال بالمولد ،
عملاً بالأدلة الشرعية التي تحذّر من البدع في الدين ،
والأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة ،
ووقفوا أمام فتح باب شر متيقّن لخيرٍ موهوم ؟
ثم ما وعاء هذا الخير المزعوم ،
عملٌ لم يفعله الرسول ولا صحابته
ولا التابعون لهم بإحسان قروناً طويلة !!
علمًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ،
لم يفرّق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة ،
بل قال :
( كل بدعة ضلالة )
[ سنن ابن ماجه 42 ] !
.
قال الإمام مالك :
( من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة ،
فقد زعم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة !!
لأن الله يقول :
" اليوم أكملت لكم دينكم "
[ المائدة : 3 ] ،
فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكون اليوم دينًا )
[ الاعتصام للشاطبي ] .
.
.
وفي الختام :
.
وختامًا أسأل الله أن يأذنَ لهذه الورقات بالقبول عنده ،
وأن يُنْتفع بها ، فإن المُنية الانتفاعُ بها ،
وليس وراء القبول مُبْتغى، ولا سواه مُرْتَجى ،
فاللهم إن مفزعَنَا إليك لا إلى غيرك،
فثبت أقدامنا على الحق ،
وبصَّرنا بأنفسنا ،
ولا تجعل من عملنا لأحدٍ سواك شيئاً،
والله الهادي إلى سواء السبيل ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
.